فصل: مسألة تطلق وهي حامل ثم يفلس زوجها الذي طلقها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة تطلق وهي حامل ثم يفلس زوجها الذي طلقها:

وقال في المرأة تطلق وهي حامل ثم يفلس زوجها الذي طلقها، قال: لا تحاص بنفقتها الغرماء وإنما هي بمنزلة امرأته التي تكون تحته فيفلس أنها لا تحسب لها نفقة، يريد: أنه لا تحاص بنفقتها الغرماء.
قال محمد بن رشد: معناه: لا تحاص بنفقتها فيما يستقبل، وأما ما أنفقت على نفسها فيما مضى فلها أن تحاص به الغرماء إن كانت ديونهم مستحدثة بعد أمد إنفاقها على ما مضى لسحنون في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة.
وقد مضى من القول على ذلك هناك ما فيه كفاية، وبالله التوفيق.

.مسألة يدفع إلى امرأته نفقة ولدها وقد طلقها ثم يفلس:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار:
وقال ابن القاسم في الرجل يدفع إلى امرأته نفقة ولدها وقد طلقها فيدفع إليها نفقة كثيرة ثلاثين دينارا أو نحو ذلك ثم يفلس، قال: إن كان يوم دفع إليها عليه دين يحيط بماله أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله.
قال القاضي: وقعت هذه المسألة في سماع عيسى من كتاب الرضاع وزاد فيها هناك فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء.
فأما قوله: إنه إن كان يوم دفع ذلك إليها عليه دين يحيط بماله أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله، فهو صحيح لا اختلاف فيه إذا فلس بحدثان دفعها قبل أن ينفق منها شيء، وأما إن فلس بعد أن أنفق بعضها فإنما يرد ما بقي منها، إذ من حق المديان أن ينفق على ولده مما بيده من المال وإن كانت الديون مستغرقة له ما لم يفلس.
وأما قوله في كتاب الرضاع: فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء- فإنما يصح على قول أشهب وروايته عن مالك، لا على أصل ابن القاسم.
وقد بينا ذلك في السماع المذكور من كتاب الرضاع فتأمل ذلك هناك تجده صحيحا إن شاء الله.

.مسألة الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق ويستحقون حقوقهم:

وسألته: عن الرجل يهلك فتقوم عليه امرأته بصداق عليه إلى أجل ببينة وقد قام عليه غرماؤه فشهد لهم عليها شاهد واحد أن المرأة صالحت زوجها على أن وضعت عنه ذلك الصداق.
قال: يحلف الغرماء مع شاهدهم ويستحقون حقوقهم، فإن أبوا أن يحلفوا حلف من رضي واستحقوا حقهم، قيل له: فإن حلفوا فاستحقوا حقهم.
ثم طرأ للميت مال فطلبت المرأة حقها، هل يحلف الورثة مع شاهدهم أيضا ويبطل حق المرأة؟ أم أيمان أهل الدين تجزئهم؟
قال: بل يحلفوا مع شاهدهم ويبطلوا حق المرأة.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق ويستحقون حقوقهم، أي: يستحقون حقوقهم في تركة الميت فيتحاصون بها دون المرأة- صحيح على قياس قول مالك في الميت يقوم عليه الغرماء وله دين بشاهد واحد أن الغرماء يحلفون مع الشاهد على الدين فيستحقونه؛ لأنفسهم من ديونهم؛ لأنها يمين مع الشاهد يصلون بها إلى استيفاء حقوقهم في المسألتين جميعا، فلا فرق في المعنى والقياس بين أن يبرئوا الميت من الصداق بحلفهم مع الشاهد فيستحقون تركته في ديونهم وبين أن يثبتوا له الدين بحلفهم عليه مع الشاهد به فيستحقونه في ديونهم.
وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه لا يحلف الغرماء في إبراء الميت وإنما يحلفون في دين له؛ لأن حلفهم على الدين رجم بالغيب، إذ لا يعلمون ذلك، وهو بعيد قد أنكره ابن المواز، وقال: إن ذلك ليس رجما بالغيب وإنما يحلفون بخبر مخبر كحلفهم على إثبات دين له، وذلك بين لا فرق في هذا المعنى بين الموضعين.
وأما قوله: فإن أبوا أن يحلفوا، حلف من رضي منهم واستحقوا حقهم- يريد: ويرجع اليمين على المرأة في حظ من نكل منهم، فيحاص بذلك من حلف.
مثال ذلك: أن يترك الميت عشرين دينارا وعليه لامرأته عشرون دينارا، ولغريمين عشرون دينارا، عشرة عشرة لكل واحد منهما، فإن حلف الغريمان جميعا مع الشاهد على إبراء الميت من الصداق أخذا العشرين لأنفسهما فاستوفيا حقوقهما، وإن نكلا جميعا حلفت هي وحاصتهما في العشرين التي ترك المتوفى بجميع حقها، فصار لها عشرة ولكل واحد منهما خمسة خمسة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر رجعت اليمين عليها في حظ الناكل، فإن حلفت استحقت ما كان يصيب الناكل لو حلف، وذلك خمسة، فيكون لها خمسة وللحالف عشرة وللناكل خمسة.
وقد قيل: إن حقها يبطل بيمين من حلف منهم؛ لأنه إنما يحلف أن ما شهد به الشاهد حق، إذ لا يمكن أن تبعض شهادة الشاهد فيحلف على مقدار حقه منها. ويلزم على قياس هذا القول أن يكتفي بيمين أحدهم.
وإن لم ينكل واحد منهم فيقال لهم إما أن يحلف واحد منكم أن ما شهد به الشاهد حق، وإما أن يرجع اليمين عليها فتحلف على تكذيبه وتستحق حقها فتحاصكم بجميعه.
والقول الأول أصح أن يحلفوا جميعا فيستحق كل واحد منهم بيمينه قدر حقه مما حلف عليه، كما يحلف جميع الورثة إذا لم يكن عليه دين فيستحق كل واحد منهم بيمينه قدر حقه مما حلف عليه. وكما يحلف جميع الغرماء مع الشاهدين للميت.
وقال في هذه المسألة: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم ويستحقون حقوقهم. فالظاهر من قوله أنه بدأ الغرماء بالأيمان على الورثة، وفي هذا تفصيل.
أما إذا كان فيما ترك المتوفى فضل عن ديون الغرماء فلا اختلاف في أن الورثة يبدءون بالأيمان، فإن حلفوا بطل دين الميت واستحقوا ما فضل عن ديون الغرماء، وإن أبوا أن يحلفوا حلف الغرماء واستحقوا حقوقهم وحلفت المرأة فاستحقت في دينها ما فضل عن ديون الغرماء، إذ قد نكل الورثة أولا عن اليمين.
وإن نكل الغرماء أيضا عن اليمين حلفت المرأة فاستحقت دينها وحاصت الغرماء في جميع ما يخلفه المتوفى.
وأما إن لم يكن فيما ترك المتوفى فضل عن ديون الغرماء فاختلف قول مالك فيمن يبدأ باليمين إن كان الورثة أو الغرماء، فالظاهر من قوله في موطأه إن الورثة يبدءون باليمين، وروى ابن وهب عنه أن الغرماء يبدءون باليمين وهو اختيار سحنون وعليه تأول قول مالك في موطأه، فقال: إنما بدأ الورثة باليمين من أجل أن الغرماء لم يحلفوا بعدما قبضوا ديونهم، ولو كانوا قد حلفوا لكانوا هم المبدئين باليمين، وهو تأويل بعيد.
والصواب: أن ذلك اختلاف من قول مالك، والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في تعليل الدين الثابت على المتوفى، هل هو متعين في تركة الميت أو في ذمته؟
فمن علل أنه متعين في ذمة الميت بدأ الورثة باليمين، ومن علل أنه متعين في عين التركة بدأ الغرماء باليمين.
وهذا الاختلاف في التعليل لا يرجع إلى الاختلاف في الحكم.
ووجهه: أن الميت لا يطرأ له مال إلا في النادر، فمن راعى ذلك النادر قال: دين المتوفى متعين في ذمته؛ لأنه إن تلف ما تخلف من المال وطرأ له مال لم يعلم به كان الدين فيه باتفاق، ومن لم يراع ذلك النادر، قال: الميت لا ذمة له، فالديون التي عليه متعينة في تركته.
فوجه تبدئة الورثة باليمين وإن لم يكن في تركته فضل عن ديون الغرماء هو أنه قد يطرأ للميت مال فيكون من حقوقهم أن يحلفوا مع الشاهد على إبطال دين المرأة فيستحقوا ذلك المال الطارئ، وبالله التوفيق.

.مسألة البيع والسلف لا يفسخ إذا رضي مشترط السلف بتركه أو رده بعد قبضه:

وسئل: عن رجل جاء بذكر حق فيه شراء وسلف، فقال صاحب الحق: إنما بعته متاعا بهذه الدنانير وأسلفته إياها بعد بيعي منه، وقال الذي عليه الحق: إنما هو بيع وسلف، قال: القول قول صاحب الحق إلا أن يأتي الذي عليه الحق ببينة، وعلى صاحب الحق اليمين، فإن أبى أن يحلف حلف الذي عليه الحق وفسخ الشراء، وقاله سحنون.
قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله إذا كان ما قد وقع في ذكر الحق محتملا للصحة والفساد، مثل أن يذكر فيه أنه باع منه سلعة بمائة دينار وأسلفه عشرة دنانير فادعى البائع أنه أسلفه العشرة الدنانير بعد نفوذ البيع على غير شرط، وقال المبتاع: بل شرطت ذلك عليك في عقدة البيع، فوجب أن يكون القول قول البائع؛ لأنه مدعي الصحة، فإن نكل عن اليمين كان القول قول المبتاع على ما ادعى من الفساد.
وفي قوله: إن الشراء إذا حلف يفسخ- نظر؛ لأن المشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك: أن البيع والسلف لا يفسخ إذا رضي مشترط السلف بتركه أو رده بعد قبضه على ما وقع في أصل الأسدية وأصلحه سحنون في المدونة، فيحتمل أن يكون قوله في هذه الرواية إن البيع يفسخ على ما روي عنه من أن البيع والسلف إذا وقع يفسخ على كل حال، ويحتمل أن يكون إنما رأى فسخه من أجل أن السلف قد قبض، مثل قول سحنون وما ذهب إليه ابن حبيب من أن السلف إذا قبض فقد تم الفساد ووجب فسخ البيع ولم يجز إمضاؤه برد السلف.
وأما إن كان ما وقع في ذكر الحق ظاهره الصحة على ما ادعى البائع فلا يمين للمبتاع عليه فيما ادعاه من الفساد، إلا أن يقول: كنا أشهدنا على الحلال ومعاملتنا في السر على الحرام، فتلزمه اليمين إن كان ممن يتهم باستحلال مثل هذا، ولا تلزمه اليمين إن كان ممن لا يتهم بذلك.
ولو باع منه السلعة بمائة دينار نقدا على أن يسلف البائع المبتاع عشرة دنانير إلى شهر وكتبا بذلك ذكر حق تشاهدا عليه، فقال البائع: إنما بعتك السلعة بمائة دينار على أن أسلفك من ثمنها عشرة دنانير إلى شهر، فالبيع صحيح لا فساد فيه؛ لأن مآله إلى أن بعت منك السلعة بتسعين دينارا نقدا وعشرة دنانير إلى أجل، وقال المبتاع: إنما اشتريت منك السلعة على أن تسلفني عشرة دنانير من غير ثمنها فالبيع فاسد؛ لأنه يدخله بيع وسلف، وذهب وعروض بذهب معجلة ومؤجلة لوجب أن يكون القول قول البائع مع يمينه؛ لأنه مدعي الصحة، فإن نكل عن اليمين فسخ البيع بالنكول دون أن ترجع اليمين على المبتاع لتشاهدهما على الفساد في الظاهر، بدليل ما وقع في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح في مسألة الذي يصالح الوارث على جميع حظه من ميراث رجل وله حظ مجهول في منزل ببلد آخر، فادعى أحدهما على صاحبه أنه علم ذلك الحظ ففسد الصلح لوقوعه عليه، فأنكر أن يكون علم به أو وقع الصلح عليه ليصح فيما عداه مما علما به، فقال: إنه يحلف ما علم به، فإن نكل فسخ الصلح، يريد دون رد يمين؛ لأن الظاهر أن الصلح قد وقع عليه؛ لأنه من المورث وهما قد تصالحا على جميع المورث.
وقد قال بعض الشيوخ: إن رد اليمين في هذه المسألة خلاف قوله في مسألة كتاب الدعوى والصلح المذكورة، إذ قال فيها: إن البيع يفسخ دون رد يمين، وليس ذلك بصحيح، بل يرجع اليمين في ذلك في وجه دون وجه على ما فصلناه، وبينا القول فيه وشرحناه، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن عليه دينا لأناس لا يعرفون وأوصى أن يتصدق ببعض متاعه:

وسئل: عن رجل أوصى أن عليه دينا لأناس لا يعرفون، وأوصى أن يتصدق ببعض متاعه، يقول: ليس هو لي وليس له صاحب يعرف.
قال: يبدأ هذا على الدين إلا أن يقيم بينة على الدين فيبدأ به ثم يبدأ هذا بعده.
قال: وهذا كله واحد، فإن كان ورثه ولد قبل قوله في جميع ذلك أوصى بأن يتصدق به عنهم أو يوقف لهم، وإن كان يورث كلالة فأوصى أن يحبس ويوقف حتى يأتي لذلك طالب فذلك جائز عليهم من رأس المال، وإن أوصى بأن يتصدق به عنهم لم يقبل قوله ولم يخرج من رأس المال ولا من الثلث، وهذا ناحية قول مالك.
قال محمد بن رشد: قوله: يبدأ هذا على الدين، يريد: أنه تبدأ الأشياء المعينة على الدين، وهذا إذا لم تقم على واحد منهما بينة أو قامت على جميعهما بينة.
وأما إن قامت على أحدهما بينة دون الآخر فيبدأ الذي قامت عليه البينة منهما على الذي لم تقم عليه البينة.
وقد مضى تمام القول في هذه المسألة مستوفى في رسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يرهقه الدين وفي يده جارية فيزعم أنها قد أسقطت منه:

ومن كتاب أسلم وله بنون:
وسئل: عن الرجل يرهقه الدين وفي يده جارية فيزعم أنها قد أسقطت منه، أيقبل قوله أم تباع للغرماء؟
قال: لا يقبل قوله في ذلك إلا أن تقوم على ذلك بينة من النساء، أو يكون قبل ادعائه بذلك سماع أو أمر قد فشا في الجيران حتى يستدل به على صدقه، فإن كان كذلك قبل قوله، وإلا فقوله باطل وهي تباع للغرماء.
وفي رواية محمد بن خالد عن ابن القاسم مثله. قال ابن القاسم: أو يكون قد سمع ذلك منه.
قال الإمام القاضي: قول ابن القاسم: أو يكون قد سمع ذلك منه قبل أن تستغرق الديون ذمته، وهو ثابت في بعض الروايات دون بعض، والمسألة كلها صحيحة لا اختلاف أعلمه في أنه لا يصدق من استغرقت الديون ذمته في أنه أعتق أمته ولا في أنها ولدت منه إذا لم يكن معها ولد، ولا في أنه يصدق إذا كان معها ولد.
واختلف إذا باعها ثم أقر بعد البيع أنها كانت ولدت منه ولا ولد معها، فقيل: إنه لا يصدق كما لا يصدق إذا زعم أنه أعتقها، وقيل: إنه يصدق وترد إليه إذا لم يتهم فيها بخلاف إذا زعم أنه أعتقها. والقولان في كتاب اللقطة من المدونة.
واختلف إذا أقر في مرضه الذي مات منه أنها ولدت منه ولا ولد معها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه إن كان يورث بولد عتقت من رأس المال، وإن كان يورث بكلالة لم تعتق من رأس المال ولا من الثلث؟
والثاني: أنه إن كان يورث بولد أعتقت من رأس المال، وإن كان يورث بكلالة أعتقت من الثلث؟
والثالث: أنها لا تعتق من رأس المال ولا من الثلث كان يورث بكلالة أو ولد.
فيتحصل من ذلك في كل طرف قولان: تعتق من رأس المال، ولا تعتق من رأس المال ولا من الثلث إذا ورث بولد، وتعتق من الثلث ولا تعتق من رأس المال ولا من الثلث إذا ورث بكلالة، وبالله التوفيق.

.مسألة للشريك أن يدخل على شريكه فيما اقتضى بغيرإذنه من دين هو بينهما:

قال عيسى: وسألته عن الرجلين لهما الحق على الرجل بذكر حق واحد وللذي عليه الحق حق على أحدهما فيقاصه الشريك الذي عليه للغريم الحق بماله من ذلك الحق المشترك بنصيبه منه بغير إذن صاحبه. أيكون له ذلك؟
فقال: يدخل معه صاحبه فيما اقتضى منه كانت مقاصة أو تقاضيا عن ظهر يد.
قلت: وإن كان الذي عليه الحق مليا؟
قال: نعم، وإن كان الذي عليه الحق مليا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لا فرق في المعنى بين أن يقتضي منه حقه أو يقاصه به، فيما كان له عليه من دين، ولا اختلاف أعلمه في أن للشريك أن يدخل على شريكه فيما اقتضى بغير إذنه من دين هو بينهما دخلا فيه بالطوع منهما.
وإنما اختلف إذا باعه بعرض أو كان عرضا فباعه بعين، فقيل: إنه لا يدخل عليه، وهو الذي يأتي على ما في السلم الثاني من المدونة على اختلاف في تأويل ذلك، وقيل: إنه يدخل عليه إن شاء، فيأخذ منه نصف ما أخذ ويكون ما بقي على الغريم بينهما، وقيل: إنه يأخذ منه نصف ما أخذ، فإذا اقتضى حقه رجع عليه بقيمة ما أخذ منه يوم أخذه إن كان أخذ منه عرضا، قيل: بالغا ما بلغ، وقيل: ما لم يكن أكثر من نصف ما بقي على الغريم وبعدد ما أخذ منه إن كان أخذ عينا، ويكون أيضا ما بقي على الغريم بينهما، وقيل: إنه يأخذ منه نصف ما أخذ، فإذا اقتضى حقه رجع عليه شريكه بعدد ما قبض منه.
واختلف أيضا إذا كان الدين لهما من ميراث أو جناية لم يدخلا فيه بطوعهما، فقيل: إنه يدخل على شريكه فيما اقتضى منه، وهو قول ابن القاسم، وقيل: إنه لا يدخل عليه في ذلك وهو مذهب سحنون.
واختلف إذا صالحه أحدهما ببعض حقه فاختار الرجوع عليه، فقيل: إنه يرجع عليه على حساب ما كان له عليه في الأصل، وقيل: بل إنما يرجع عليه على حساب ما بقي له عليه بعد ما وضع عنه. والقولان في كتاب الصلح من المدونة.
قيل: ويتبعان جميعا الغريم، وقيل: بل يتبعه الذي لم يصالح، فإذا قبض حقه رجع عليه الذي صالح بما أخذ منه، وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي بوصايا ويقول من جاء يدعي من دينار لعشرين فاقضوه:

قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الذي يوصي بوصايا ويقول من جاء يدعي قبلي من دينار إلى عشرين دينارا فاقضوه بغير بينة، فقال: تكون تلك العشرون دينارا من رأس المال ولا يزاد من ماله على عشرين دينارا أن لو جاء يدعي قبله بأكثر منها، لو ادعى رجل عشرة دنانير وآخر خمسة عشر وادعى قبله من نحو هذا العدد حتى بلغت أكثر من مائة دينار؟
قال: يتحاصون في العشرين دينارا على قدر ما ادعى كل واحد منهم إن كان عدد ما ادعى كل واحد منهم أدنى من عشرين دينارا.
قال ابن القاسم: ولا أرى لمن ادعى قبله أكثر من عشرين دينارا في عشرين دينارا شيئا.
قال مالك: وأرى أن لا يعجل في العشرين دينارا حتى يعلم كل من يدعي قبله شيئا.
قال: ولا يشاع هذا الأمر ولا يفشى ولا يستتر به.
قال ابن القاسم: والدين الذي تكون عليه بينة مبدأ على العشرين دينارا.
وفي سماع محمد بن خالد قال ابن القاسم: قال مالك في رجل حضرته الوفاة، فقال عند موته: إنني كنت لابست الناس ووقعت بيني وبينهم ديون، فمن جاء يدعي قبلي شيئا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا فاقضوه إياه: إنه إن جاء أحد يطلب كما ذكر صدق مع يمينه وكان ذلك من رأس ماله.
قال الإمام القاضي: قوله في الذي يوصي فيقول من جاء يدعي قبلي من دينار إلى عشرين دينارا فاقضوه بغير بينة، إن العشرين تخرج من رأس ماله دون زيادة عليها، فيتحاص فيها كل من ادعى أدنى من عشرين صحيح في المعنى.
والوجه في ذلك أن لفظة من في قوله من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا، يحتمل أن تكون بمعنى الشرط فيقتضي العموم ويكون بمنزلة قوله كل من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا فاقضوه، ويكون المعنى المفهوم من إرادته أنه علم أن عليه لجماعة لا يعرف عددهم حقوقا دون العشرين فأراد أن يقضي كل من ادعى أن له عليه أدنى من عشرين ليتخلص من جميع ما عليه من الديون، ويحتمل أن تكون لفظة من في قوله من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا بمعنى الذي، فلا تقتضي العموم، ويكون ذلك بمنزلة قوله الرجل الذي يدعي قبلي من كذا إلى كذا فاقضوه، ويكون المعنى المفهوم من إرادته أنه علم أن عليه حقا دون العشرين لرجل واحد لا يعرف عينه ولا اسمه، فأراد أن يقضي ذلك الرجل حقه وجعل العلامة على أنه صاحب الحق إتيانه وادعاءه القدر الذي سمى.
فلما كان اللفظ محتملا للوجهين على ما ذكرناه وجب أن يحمل على الثاني منهما الذي هو بمعنى الذي؛ لأنه الأقل على أصولهم في وجوب ترك الحكم بما شك فيه من الوصايا وغيرها.
ولو جاء بعد لفظة مَنْ بفعل يظهر فيه الإعراب لارتفع في ذلك الإشكال، مثل أن يقول: مَنْ يجئ بالجزم يدعي من كذا إلى كذا فاقضوه، أو مَنْ يِجِيءُ بالرفع يدعي من كذا وكذا إلى كذا وكذا فاقضوه؛ لأن الجزم يدل على الشرط وهو بمعنى العموم بخلاف الرفع، ولا خلاف فيما ذكره من أن العشرين إذا أخرجت من رأس المال يتحاص فيها كل من ادعى أدنى من عشرين، يريد: بعد أيمانهم، وأنه لا حق فيها لمن ادعى أكثر من عشرين.
واختلف فيمن ادعى عشرين فقيل: إنه لا شيء له حكى ذلك سحنون عن ابن القاسم، وهو على القول بأن إلى غاية لا يدخل ما بعدها فيما قبلها، وقيل: إنه يحاص بها وهو على القول بأن إلى بمعنى مع، وهو الأظهر في هذه المسألة. وفي ألفاظ المسألة دليل على القولين.
وأما من ادعى دينارا فإنه يحاص به في العشرين، قال: من جاء يدعي قبلي دينارا إلى عشرين أو من دينار إلى عشرين. ولو قال: من جاء يدعي قبلي ما بين دينار إلى عشرين لدخل الاختلاف في الدينار أيضا، فقد اختلف أهل العلم فيمن قال لفلان: علي ما بين دينار إلى عشرة، فقيل: إنه يحكم عليه بثمانية، وقيل: بتسعة، وقيل: بعشرة، ولكل قول منها وجه.
وقد قيل: إنه لا يحكم عليه بشيء؛ لأنه إنما أقر له بما بين الواحد والعشرة ولا شيء بينهما وهو بعيد.
وما في سماع محمد بن خالد عن مالك من رواية ابن القاسم عنه ليس بخلاف لما قبله من قوله في رواية عيسى عن ابن القاسم؛ لأن قوله: إني كنت لابست الناس ووقعت بيني وبينهم ديون- دليل على أنه أراد بقوله من جاء يدعي قبلي حقا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا العموم، بمنزلة ما لو قال: كل من جاء يدعي قبلي حقا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا.
وقد رأيت لابن دحون أنه قال: هو خلاف لما قبله، لا يلزم الورثة في هذه المسألة على ما قبله غير إخراج خمسة وعشرين دينارا فيتحاص فيها كل من ادعى خمسة وعشرين فأقل، وقوله بعيد جدا، لا إشكال عندي في أنه لا يجوز رد هذه المسألة إلى التي قبلها.
ولو قال: إن التي قبلها ترد إليها لكان له وجه لما ذكرناه من الاحتمال فيها.
وهذا الذي ذهبنا إليه من الفرق بين أن يقول من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا، وبين أن يقول كل من جاء يدعي قبلي من كذا إلى كذا قد نص عليه ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ، فلم يراع التسمية مع كل إلا أنه قصر ذلك على الثلث بمنزلة ترك التسمية، مثل أن يقول: من ادعى علي حقا فاقضوه إياه، وذلك من قصره إياه على الثلث خلاف لما في العتبية، إذ لم يقصر فيها شيئا من ذلك على الثلث عم أو خص سمى العدد أو لم يسمه.
وإيجاب اليمين عليه في سماع محمد بن خالد يجري على الاختلاف في لحوق يمين التهمة حسبما ذكرناه في مسألة رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم.
وقد قيل: إن الخلاف في ذلك لا يدخل في هذه؛ لأن المصدق في تلك معين وفي هذه غير معين، والقياس أن لا فرق بينهما؛ لأن المعنى يجمعهما، وهو اتهام الورثة مع تصديق المتهم.
ولو نص المتوفى على تصديقهم دون يمين لسقطت عنهم اليمين قولا واحدا، والله أعلم، وبالله التوفيق.